ومِن هذه القصص: أن عليَّ بن أبي طالب افتقد درعاً له في خلافته ، ثمّ وجدها في يد ذميٍّ (أي نصراني) من أهل الكوفة، يبيع الدرعَ في سوق الكوفة.
فلما رآها عليٌّ عرفها، فقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا في طريقي إلى صفين.
فقال الذمّي: بل هي درعي يا أمير المؤمنين وفي يدي، فكيف تدَّعي أنها لك.
قال عليٌّ : إنما هي درعي لم أبعها لأحد، ولم أهَبْها لأحد فكيف صارت لك؟!
قال الذمّي: بيني وبينك قاضي المسلمين، دعْه يحكمْ بيننا.
فقال علي : أنصفتَ فهلمَّ إليه.
جلس الأمير علي والذمي في مجلس القاضي شُريح، فلما صارا عنده في مجلس القضاء قال شريح لعلي : ما تقول يا أمير المؤمنين؟
فقال: وجدتُ درعي مع هذا الرجل سقطت منّي في يوم كذا في مكان كذا، وهي لم تصلْ إليه ببيع ولا بهبة فكيف صارت له؟!
فقال شريح للذمّي: فما تقول أنت ؟
فقال الذمّي: الدِّرع درعي وهي في يدي، ولا أتهم أمير المؤمنين بالكذب.
فالتفت شريح إلى أمير المؤمنين وقال له: لا بد لك من شاهدين يشهدان لك على صحة ما ادّعيت.
قال علي: نعم، لدي مولاي قنبر وولدي الحسن يعرفان هذه الدرعَ ويشهدان لي.
فقال شريح: يا أمير المؤمنين! شهادةُ الابن لأبيه والمولى لسيده لا تجوز.
فقال علي : سبحان الله رجلٌ مِن أهل الجنة لا تقبل شهادته ! سمعت رسول الله يقول: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) .
فحكم شُريح بالدرع للذّمي.
فأخذ الذمي الدرع ومشى قليلاً، ثم رجع وقال:
والله إني لأشهد بأنَّ الدرعَ لك يا أمير المؤمنين، ولكنَّ أميرَ المؤمنين يقاضيني عند قاضٍ هو عيَّنه وقاضيه يقضي بالحكم لي عليه، أشهدُ أن الدين الذي يحكم بهذا لحق، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
اعلم أيها القاضي أن الدرعَ لأمير المؤمنين، فأنا تبعت الجيش وهم في طريقهم إلى صفين، وسقطت الدرع عن جمله الأورقِ فأخذتها.
فقال له عليٌّ : أما وقد أسلمت، فإني قد وهبتُها لك ووهبتك معها هذا الفرسَ أيضاً.
فأخذ الذمّي الذي أسلم الدرع والفرسَ مسرورا بهما، ولم تمض أيامٌ حتى شوهد هذا الذمّي يقاتل تحت لواءِ عليٍّ الخوارجَ يومَ النهروان، واستُشهد في تلك المعركة رحمه الله تعالى.
[انظر القصة في : أخبار القضاة لوكيع (2/194، 200)، تاريخ دمشق (23/23)، ميزان الاعتدال (1/585)]