ولعل في هذا من العجب ما فيه؛ لأنّ من المعروف عند الجميع أن للقاضي رزانة وهيبة ووقاراً، ولا سيما في القرون الأولى لدولة الإسلام، ولكن القضاة بشرٌ ممن خلق الله سبحانه وما شذ أحد عن هذا السمت الذي ذكرت إلا ليؤكد القاعدة.
فقد أخرج ابن الجوزي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل قاضٍ: من أنت؟
قال: قاضي دمشق.
قال: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله.
قال: فإذا جاءك بما ليس في كتاب الله؟
قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا جاءك ما ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: أجتهد رأيي وأؤامرُ (أي: أشاور) جلسائي. قال: أحسنت.
قال عمر: فإذا جلست: فقل اللهم أني أسألك أن أفتي بعلم، وأن أقضي بحلم وأسألك العدل في الغضب والرضا.
فسار الرجل ما شاء الله أن يسير، ثم رجع إلى عمر رضي الله عنه فقال: ما أرجعك؟
قال: رأيت فيما يرى النائم أن الشمس والقمر يقتتلان، مع كلِّ واحد منهما جنود مِن الكواكب.
فقال: مع أيهما كنت؟ قال: كنتُ مع القمر.
قال: يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] ، لا تلِ لي عملاً.
وإنما عزله لجهله، وأبعده عن العمل لسخافة قوله.
[انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (68/103-104)، القاضي في الإسلام، سعدي أبو جيب ص465-466].