من قضاة الإسلام
إياس بن معاوية
للأستاذ الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد
فِراسةُ إياس قبل أن يتولى القضاء:
يُقصد بالفِراسة: تعرُّفُ بواطنِ الأمورِ من ظواهرها، وهو ما يطلق عليها بالاصطلاح القانوني المعاصر»القرينة القضائية«
وكان إياس ماهراً في الفِراسة، حتى قيل فيه: إنه تُكتب عنه الفِراسة كما تكتب عمن صدر الحديثُ منه.
فقد ذكر لنا وكيع بن حيان في كتابه » أخبار القضاة «أن إياساً قبل أن يُستقضى كان جالساً في قوم، فجاء رجل وجلس على مكان مرتفع بالمربد (وهو المكان الذي يُجفَّف فيه التمر)، فجعل يترصَّد الطريق فبينما هو كذلك إذ نزل، فاستقبل رجلاً فنظر في وجهه ثم رجع إلى موضعه.
فقال إياس: قولوا في هذا الرجل؟
قالوا: نقول فيه رجل طالب حاجة.
فقال إياس: هو معلم صبيانٍ هرب له غلام أعور، فإن أردتم أن تستفهموه فقوموا فسلوه. فقام إليه البعض فسأله، فقال كان لي غلامٌ نسَّاج، وقد زاغ منذ اليوم.
فقالوا: صف لنا غلامَك، وصِفْ لنا موضعَك.
فقال: أما أنا فأعلِّم الصبيان بالكلأ، وأما علامات غلامي فمن صفته كذا وكذا. وإحدى عينيه ذاهبة، ثم رجعوا إلى إياس وقالوا: هو كما قلت! ولكن كيف علمتَ أنه معلم؟
فقال: رأيته جاء فجعل يطلب موضعاً يجلس فيه، فقلت: إنه يطلب عادته في الجلوس، فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس، فنظرت في قدره فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوسَ الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين، فعلمت أنه معلم.
فقالوا له: كيف علمت أنه هرب له غلام أعور؟
فقال: رأيته يترصد الطريق والمارة، فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلاً مُقبلاً.
فعلمت أنه شبهه بغلامه فنظر في وجهه، فلو كان أعمى لعرفه في ترجح مشيته فعلمت أنه نظر في وجهه إلى عينه، فعلمت أن غلامه أعور.