افتتاحية العدد الأول
بقلم رئيس التحرير: أ. إبراهيم الحسون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
فإنّ السوريين قبل ست سنوات قد خرجوا إلى الشوارع يلتمسون عدالةً طالما قرأوا وسمعوا عنها، وكان مما سمعوه عنها أنها – العدالة – كانت أساساً راسخاً في بناء حضارة امتدت عشرات السنين في تاريخهم، وأنها كانت منارة للعالم كلِّه، وعلامةً يُعرف بها تاريخ الحضارة الإسلامية في المنطقة، خرجوا في ثورة الحرية والعدالة مِن أجل الحفاظ على الحقوق وصيانتها مِن الضّياع، ثمّ إنهم نجحوا وحرّروا مِن أرض سورية الحبيبة مناطقَ شاسعةً, سارع الثوارُ إلى تشكيل الهيئات القضائية والمحاكم على امتداد هذه المناطق مما كان لها دورٌ إيجابي في نشر الأمن في هذه الأرض وحماية المدنيين في ظلِّ انتشار السلاح وغياب السلطة، واستطاعت وضعَ حدٍّ لكثيرٍ مِن الانتهاكات التي كان مِن الممكن أن تحدث في هذا الواقع حيث تداعى الحقوقيون وطلبة العلم للقيام بواجبهم تجاه أهلهم وثورتهم، فكان أول ما قاموا به هو اعتماد السبل والآليات والأنظمة التي تعتمد عليها هذه المحاكم في عملها، بالإضافة للاجتهاد في تدريب الكوادر، كلُّ هذا كان له دور كبير في الحفاظ على مكتسبات الثورة وتوجيهها نحو تحقيق أهدافها، وسعيا لتطوير هذه المؤسسات ومع ظهور بعض سلبيات العمل التي كان مِن أهم أسبابها ضعف الخبرة وظهور واقع جديد تم تأسيس معهد إعداد القضاة في سورية وزيادة فروعه تدريجياً في مختلف مناطق سورية لتدريب الكوادر القضائية والكوادر المساعدة في المحاكم لسد حاجاتها عبر برامج مختلفة قد تمتدّ في بعض البرامج (برنامج الدبلوم العلمي) إلى أحد عشر شهراً، وبعد سنوات من العمل في تدريب وتأهيل الكوادر القضائية، وحتى يعم الخير في هذا الجانب العظيم مِن ثورتنا المباركة، ومراعاةً لحاجة الناس للتوعية القضائية، وكي يطلع أهلنا في المناطق المحررة وغيرها على الجهود التي تبذل في هذا الجانب وخصوصاً منهم الثوار كي يسهموا في إنجاح العمل القضائي عملاً بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، مِن أجل ذلك كلِّه اتخذ مجلس إدارة المعهد قراراً على نفسه يقضي بأن تصدر عن المعهد مجلةٌ قضائيةٌ تعنى بأخبار القضاء وتسلط الضوء على بعض جوانبه الخفية، وتعالج مشاكله بطريقة علمية تعتمد الأسس الاحترافية في البحث العلمي مِن خلال كادر يضم عدداً مِن المختصين ومن الأكاديميين وأصحاب الخبرة، بالإضافة إلى إصدار مجلة بحثية متخصصة تجمع عدداً مِن البحوث القضائية المستوفية لشروط البحث العلمي والشاملة لمختلف جوانب الموضوعات التي كتبت فيها، والتي يحتاجها قضاة الساحة، وتعالج أيضاً النوازل التي طرأت على الساحة خلال فترة الثورة السورية.
وما يميز هذه البحوث عن غيرها هو الدقة العلمية فهي بحوثٌ محكمة روجعت وعدلت مراراً وتكراراً، علماً أن المعهد قد نشر سابقاً عددين تجريبيين وُزّعا على نطاقٍ ضيق، وهذا هو العدد الرسمي الأول والذي تجدون فيه تنوعاً، ما بين أخبار تتعلق بالمعهد وبساحة العمل القضائي، بالإضافة لمواضيع متنوعة في التراث القضائي الإسلامي ساهم في جمعها عددٌ من مدرسي المعهد والعاملين في الساحة القضائية، أما المواضيع الرئيسة في هذا العدد فقد شملت بحثين: أولهما: التعرض للأحكام القضائية النهائية مِن قبل القضاء الحالي في المناطق المحررة، والثاني: المسائل التي يحكم بها القضاة خلافاً للشريعة، وقد احتوى على توطئة لمشروع المسائل التي يحكم بها القضاة خلافاً للشريعة بالإضافة إلى مسألتين من مسائل المشروع، وهما : الرجوع عن الإقرار، ونوع التفريق لعلة الغياب، بالإضافة إلى فتوى بشأن المرأة التي وجدت وهي تزني.
وإننا في هيئة تحرير المجلة نرجو أن يستفيد أخواننا القضاة ومَن معهم ممن يعمل في الساحة القضائية على جهة الخصوص والقراء الكرام عموماً مما يكتب في هذه المجلة، وتعاونا على الخير فإنه مما يسرنا كثيراً أن نرى القراء الكرام وهم يتحفوننا بملاحظاتهم ومشاركاتهم ليزداد النفع ويعم الخير.
ولا ننسى هنا أن نشكر كل من ساهم في صعود هذه المؤسسة وظهور هذا العمل فإنه إن خفيت على الناس أعيانهم فلن تخفى على رب الناس، نسأل الله الإخلاص والسداد، والحمد لله رب العالمين.