تاريخ الوكالة:
ومن أقدم حوادث الوكالة بالخصومة حادثتان وقعتا أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الحادثة الأولى:
ورد في كتاب نسب قريش للزبيري ص26، قال: « كانت بين حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين بعض الناس منازعة عند عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقضى عثمانُ على حسان، فجاء حسان إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فشكا ذلك إليه: فقال له ابن عباس: الحقُّ حقُّك، ولكن أخطأت حجّتَك، انطلق معي.
فخرج به حتى دخلا إلى عثمان رضي الله عنه ، فاحتج له ابن عباس حتى تبين عثمانُ الحقَّ، فقضى به لحسان بن ثابت رضي الله عنه ، فخرج آخذا بيد ابن عباس حتى دخلا المسجد، فجعل حسان ينشد الحِلَقَ ويقول:
إذا ما ابنُ عباسٍ بدا لك وجهُه رأيتَ له في كلِّ مجمعةٍ فضلاً
إذا قال لم يتركْ مقالاً لقائلٍ بمنتظمات لا ترى بينها فضلاً
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع لذي إربة في القول جداً ولا هزلاً
فحادث ابن عباس مع حسان بن ثابت رضي الله عنه مِن أقدم ما عرف في تاريخ الوكالة بالخصومة –المحاماة- في الإسلام إن لم يكن أقدمَها، فهو المحاماة بكل معانيها: ذلك بأنّ حسان بن ثابت رضي الله عنه الشاعر الذي يجيد تشقيق الكلام وصوغ الشعر العمودي لم يكن في وسعه أن يتفرغ للأحكام الشرعية ودقائقها وعللها ومناصبها وأدلتها، وذلك كان شأن عبد الله بن عباس حبر الأمة.
الحادثة الثانية من حوادث الوكالة بالخصومة:
وردت في كتاب المبسوط للسرخسي (3/19) بين علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، حيث جاء فيها على لسان عبد الله بن جعفر وكيل علي رضي الله عنه: « خاصمني طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في ضفير أحدثه علي رضي الله عنه بين أرض طلحة وأرض نفسه- والضفير: الـمُسَنّاة، وهو الحائط الذي يُبنى في وجه الماء- قال: فوعدنا عثمان رضي الله عنه أن يركب معنا فينظر إليه».
وفيه دليلٌ على أنهم كانوا يختصمون فيما بينهم، ولا نظن بواحد منهم سوى الجميل، لكن كان يستبهم عليهم الحكم فيختصمون إلى الحاكم؛ ليبينه لهم، ولهذا يسمون الحاكم فيهم المفتي، فوقع عند طلحة رضي الله عنه أنّ علياً رضي الله عنه أضر به، وحمل عليه السيل ولم ير عليٌّ رضي الله عنه في ذلك ضرراً حتى أحدثه.
وفيه دليلٌ على أن على الإمام أن يباشر الأمر بنفسه إذا تفاقم وأن يركب إن احتاج إلى ذلك.
[نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي ص 381].