طرق الإثبات في الدعاوى المدنية والأحوال الشخصية 

القاضي عدنان الويس عضو المجلس العلمي لمعهد إعداد القضاة في سورية

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى .
أما بعد : فهذا بحثٌ في طرق إثبات الحق عند القاضي في الدعاوى المدنية والأحوال الشخصية، وهذه الطرق نوعان:
الأول: طرق الإثبات المتعارف عليها في  الفقه والقضاء الإسلامي وهي الشهادة واليمين والإقرار والقرائن.
الثاني: طرق إثبات مستحدثة لا تصادم ولا تعارض الشريعة الإسلامية، وهي الأدلة الكتابية والمعاينة والخبرة.
وكلمة مستحدثة لا يعني أنها لم تكن موجودة مطلقاً، وإنما المراد أنها برزت وتبلورت بشكل قوي ورئيسي في العصر الحديث.
وسوف أقوم بإذن الله ببحث جميع هذه الطرق بشكل مهني وعلمي مِن خلال خبرتي المهنية دون ذكر مصادرها لضيق المجال لكي يستفيد منها العاملون في السلك القضائي مبتدئاً بطرق الإثبات المتعارف عليها باعتبارها الطرق الأصلية، ومِن ثم نتناول الطرق المستحدثة باعتبارها طرقاً احتياطية أو فرعية مع أهميتها ودورها في إثبات الحق في عصرنا الحالي الذي اعتمد بشكل كبير على الدليل الكتابي والمعاينة والخبرة لفساد كثير من الناس، وتطور الحياة وتعقدها، وعدم حضور الشهود وابتعادهم أحياناً، ودفعاً للمشقة والحرج .
وسأذكر هذه الطرق، وما يتعلّق بها من مسائل على شكل نقاط موجزة كما يلي:
1 ـ طرق الإثبات : هي الوسائل التي يتم بها إثبات أو نفي أي تصرف أو واقعة مادية أمام المحكمة.
2 ـ الأصل في المعاملات براءة الذمة، ومَن يدعي خلاف ذلك فعليه البيّنة .
3 ـ الأصل صحة الظاهر، وعلى مَن يدعي خلاف ذلك أن يثبته .
4 ـ محل الإثبات هو وقائع متعلقة بالدعوى ومنتجة في الإثبات، وجائز قبولها.
5 ـ تصدر المحكمة قرارها بإجراءات الإثبات دون تعليل.
6 ـ لا يحكم القاضي بعلمه الشخصي، ولابد له من التقيد بطرق الإثبات في إصدار الحكم، وله سلطة تقديرية في تقدير الأدلة وترجيح بعضها على بعض.
7 ـ طرق الإثبات هي: الشهادة واليمين والإقرار والقرائن والأدلة الكتابية والمعاينة والخبرة .

الشهادة:
8 ـ الشهادة: هي إخبار صادق لإثبات حقٍّ بلفظ الشهادة في مجلس القضاء، وركنُها لفظ «أشهد».
9 ـ تحمّلُ الشهادة عبارة عن فهم الواقعة وضبطها وقت التحمل بالمعاينة، أو سماعها ممن عاينها. ويُشترط لتحمُّلها أن يكون الشاهد عاقلاً بصيراً وقت التحمّل، وأن يكون قد عاين المشهود به بنفسه أو سمعه ممن عاين الواقعة.
10 ـ تصحّ الشهادة بالتسامع في الوقائع المشتهرة كالنكاح والموت والنسب.
11 ـ يشترط لأداء الشهادة أن يكون الشاهد عاقلاً بالغاً مسلماً مبصراً سليم النطق عدلاً غير متهم. ويراعي القاضي هذه الشروط قدر الإمكان .
12 ـ يجب توافر النصاب الشرعي للشهادة، وهو شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وتقبل شهادة النساء سواء كنّ واحدة أو أكثر فيما لا يطلع عليه إلاّ النساء.
13 ـ يجب الاتفاق في الشهادتين عند التعدد، فإن اختلفت الشهادة لم تُقبل، والاختلاف يكون في سبب الالتزام، أو في قيمته، أو في زمانه ومكانه .
14 ـ يجب أن تكون الشهادة في مجلس القضاء.
15 ـ يصحّ الرجوع عن الشهادة في مجلس القضاء، وفي هذه الحالة لا يحكم القاضي بشهادة الراجع.
16 ـ لا يقبل الرجوع في غير مجلس القضاء، ولا بعد صدور الحكم مِن القاضي.
17 ـ إذا رجع الشهود عن الشهادة بعد صدور الحكم لم ينتقض الحكم الذي حُكم بشهادتهم فيه.
18 ـ يترتب على الرجوع عن الشهادة بعد الحكم التزام الشهود بضمان الغُرم أو التلف الذي تسبّبوا في إلحاقه بالمشهود عليه مِن مال، ولا يحول ذلك من إيقاع عقوبة شاهد الزور بحقهم.
19 ـ تقبل شهادة غير المسلمين على بعضهم البعض.
20 ـ لا تقبل شهادة غير المسلمين على المسلمين.
21 ـ يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية وفي جميع الوقائع والتصرفات بشكل مطلق.
22 ـ لا يجوز الإثبات بالشهادة فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليلٌ كتابي.
23 ـ لا تقبل شهادة الأصل للفرع، ولا شهادة الفرع للأصل.
24 ـ لا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر أو عليه، ولو بعد انقضاء الزوجية.
25 ـ ليس لأحد أن يكون شاهداً ومدعياً بآنٍ واحدٍ، فلا تقبل شهادة الوصي لليتيم، ولا شهادة الوكيل لموكله، ولا شهادة الشريك فيما يتعلق بالشركة، ولا الكفيل فيما يختص بالتزامات مكفوله أو بالعكس.
26 ـ الإجازة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بالشهادة يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحقّ في نفيها بهذا الطريق.
27 ـ تقدّر المحكمة قيمة شهادة الشهود مِن حيث الموضوع، فلها أن تأخذ بشهادة شاهد إذا اقتنعت بصحتها، كما لها أن تسقط شهادة شاهد أو أكثر إذا لم تقتنع بصحتها، وذلك دون إخلال بشرط توافر النصاب الشرعي للإثبات في حال الحكم.
28 ـ ولها أن ترجح شهادات على أخرى وفقاً لما تستخلصه مِن ظروف الدعوى.
29 ـ يبين الخصم الذي يطلب الإثبات بالشهادة الوقائع التي يريد إثباتها، وإذا رأت المحكمة أن الوقائع منتجة وجائز إثباتها قررت الاستماع للشهود، ولها من تلقاء نفسها أن تقرر الاستماع إلى الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة.
30 ـ يبلّغ الشهود الحضور قبل التاريخ المعين بأربع وعشرين ساعة عدا مواعيد المسافة، وإذا لم يحضر لأداء الشهادة بعد تكليفه بالحضور يكون للمحكمة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحضوره.
31 ـ إذا كان للشاهد عذر يمنعه مِن الحضور فللمحكمة في حالة الضرورة أن تنتقل لسماع شهادته في مكانه.
32 ـ تُسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم بعد أن يسأله القاضي عن اسمه وسنه وعمله وصلته بالخصوم.
33 ـ للقاضي أن يأمر أحد الخصوم بالخروج تأميناً للشاهد على حريته.
34 ـ للقاضي أن يحلّف الشاهد قبل الإدلاء بشهادته يميناً بأن يقول الحق دون زيادة أو نقصان مبتدئاً بعد الحلف بلفظ « أشهد».
35 ـ يستجوب القاضي الشاهد عن ملابسات الوقائع التي تطلب الشهادة في شأنها وتفاصيلها وطريق اتصالها بعلمه.
36 ـ للقاضي بناءً على طلب أحد الخصوم أن يوجّه إلى الشاهد ما يراه من أسئلة، وله أن يواجهه بشهود آخرين.
37 ـ للخصم الذي تؤدّى الشهادة ضده أن يبين للمحكمة ما يخل بشهادة الشهود.
38 ـ إذا قررت المحكمة الاستماع لشهادة شاهد غير قادر على النطق فإنه يؤدّي شهادته بالكتابة أو بالإشارة.
39 ـ تُثبّت شهادة الشهود دون تغيير في محضر الجلسة وما وجّه من أسئلة وملاحظات الخصم في شأن الخصوم.
40 ـ يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد ممن تجوز شهادتهم على موضوع لم يعرض بعدُ أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلك الشاهد، ويقدّم هذا الطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة .
41 ـ ليس للشهادة في مثل هذه الحالة قوة إثباتية إلاّ في حدود ما تقدره محكمة الموضوع.
42 ـ إذا قذف الزوج زوجته بالزنى أو نفى نسبَ ولدها منه، ولم تكن له بينة ولم تصدّقه الزوجة وطلبت إقامة حدّ القذف عليه أمره القاضي باللّعان بأن يبتدئ القاضي بالزوج الذي يقول أمامه أربع مرات: (أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به مِن الزنى أو نفي الولد) ثم يقول في الخامسة: (إنّ لعنة الله عليه إن كان مِن الكاذبين فيما رماها به مِن الزنى أو نفي الولد). ثم تقول الزوجة إذا أرادت نفي التهمة عنها أربع مرات: ( أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به مِن الزنى أو نفي الولد)، وتقول في الخامسة: ( إنّ غضب الله عليها إن كان مِن الصادقين فيما رماني به من الزنى أو نفي الولد).

اليــمين:
43 ـ اليمين: هي تأكيدُ ثبوت الحق أو نفيه أمام القضاء بذكر اسم الله أو صفة من صفاته.
44 ـ الحلف يجب أن يكون بالله تعالى أو بصفة من صفاته، ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى كالحلف بالطلاق وغيره، ولا تجوز النيابة في اليمين، بل تجوز النيابة في التحليف.
45 ـ يحلف الحالف على البت والقطع على فعل نفسه سواء في حال الإثبات أم في حال النفي، فيقول مثلاً: والله ما بعت أو: والله لقد بعت .
ولا يحلف الحالف على نفي فعل الغير إنما يحلف على نفي العلم كقوله : والله لا أعلم .
46 ـ اليمين القضائية على نية المستحلف، وهو القاضي وليست على نية الحالف .
47 ـ شروط يمين الإنكار :
أن يكون الحالف مكلفاً مختاراً بالغاً عاقلاً.
أن يكون المدعى عليه منكراً حق المدعي.
أن يطلب الخصم اليمين مِن القاضي، وأن يوجهها القاضي إلى الحالف.
أن تكون اليمين شخصية.
ألاّ تكون في الحقوق الخالصة لله تعالى كبعض الحدود.
أن تكون في الحقوق التي يجوز فيها توجيه اليمين كالأموال.
49 ـ يمين المدعى عليه: تسمى اليمين الأصلية أو الدافعة (الحاسمة لأنها تحسم النزاع)، وهي التي يحلفها بطلب من القاضي بناء على طلب المدعي لتأكيد جوابه عن الدعوى.
50 ـ يمين المدعي: هي التي يحلفها المدعي لدفع التهمة عنه أو لرد اليمين عليه أو لإثبات حقه وهي ثلاثة أنواع:
اليمين الجالبة : يحلفها المدعي لإثبات حقه إما مع شاهد واحد وهي اليمين مع الشاهد. وإما بسبب نكول المدعى عليه عن اليمين الأصلية وردها إلى المدعي ليحلف، وهي اليمين المردودة. وإما لنفي حد القذف عنه، وهي أيمان اللعان. وإما لتأكيد الأمانة فالقول قول الأمين بيمينه كالوديع إذا ادعى الرد على مَن ائتمنه.
يمين التهمة: هي التي توجه إلى المدعي بقصد رد دعوى غير محقة على المدعى عليه.
يمين الاستيثاق أو الاستظهار: هي التي يحلفها المدعي بطلب القاضي لدفع التهمة عنه بعد تقديم الأدلة المطلوبة في الدعوى فهي تكمل الأدلة ويتثبت بها القاضي عادة إذا كانت الدعوى بحق على غائب أو ميت، ويحتمل أن يكون المدعي قد استوفى دينه من الميت أو الغائب أو أبرأه منه.
51 ـ يجب على القاضي تحليف المدعي يمين الاستظهار.
52 ـ لا يُقضى بالنكول بمجرّده، ولكن تُرد اليمين إلى المدعي فيحلف ويأخذ حقه.
53 ـ يقضى بالشاهد ويمين المدعي.
54 ـ يترتب على حلف اليمين من المدعى عليه إنهاء النزاع ورد الدعوى.
55 ـ يمين الاستيثاق أو الاستظهار ليست دليلاً في الإثبات، إنّما هي لزيادة الاطمئنان وإقناع القاضي بصحة الأدلة المقدمة لديه.
56 ـ لا تكون اليمين إلاّ أمام المحكمة، ولا اعتبار بالنكول عن اليمين خارجها.
57 ـ يجب على مَن يوجّه اليمين لخصمه أن يبين بدقةٍ الوقائعَ التي يريد استحلافه عليها، ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة.
58 ـ للمحكمة أن تعدل صيغة اليمين التي يعرضها الخصم بحيث تتوجه بوضوح على الواقعة المطلوب الحلف عليها.
59 ـ توجيه اليمين يتضمن التنازل عما عداها من البينات بالنسبة إلى الواقعة التي ترد عليها، ويجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الخصم الذي وجهت أو رُدّت إليه.
60 ـ إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي فإن للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض دون إخلال بحقه بالطعن على الحكم الذي صدر بسبب اليمين الكاذبة.
61 ـ لا يجوز للمدعي الذي وُجهت له اليمين أن يردّها على خصمه.
62 ـ إذا لم ينازع مَن وجهت إليه اليمين في جوازها وجب عليه إذا كان حاضراً بنفسه أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه وإلاّ اعتبر ناكلاً، وإذا لم يكن حاضراً وجب أن يُدعى لحلفها وفق صيغتها، فإن حضر وامتنع عن حلفها اعتبر ناكلاً .
63 ـ إذا وجهت اليمين لغير مسلم يحلف بالله.
64 ـ يعتبر في حلف الأخرس ونكوله إشارته المعهودة إن كان لا يعرف الكتابة، فإن كان يعرف الكتابة فحلفه ونكوله بها .

الإقرار :
65 ـ الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم بحقٍّ عليه لآخر.
66 ـ الإقرار غير القضائي هو اعتراف الخصم بحقٍّ عليه لآخر في غير مجلس الحكم أو في دعوى أخرى.
67 ـ الإقرار حجةٌ قاصرة على المقِرّ، وهو سيدُ الأدلة .
68 ـ يشترط في صيغة الإقرار لفظٌ صريح أو كناية يدل على الالتزام بالمقَرّ به، وفي معنى اللفظ الصريح الكتابة مع النية، وإشارة الأخرس المفهمة.
69 ـ يشترط لصحة الإقرار أن يكون المقِرُّ عاقلاً بالغاً مختاراً معلوماً غير متهم في إقراره.
70 ـ يصح الإقرار بالأموال سواء كانت نقدية أو عينية والديون وغيرها مِن حقوق الأفراد كالطلاق والنسب والشفعة.
71 ـ إذا وقع استثناء في الإقرار جاز الإقرار فيما عدا المستثنى.
72 ـ يبطل الإقرار إذا تعلق بمشيئة الله تعالى.
73 ـ يصح الإقرار في حال الصحة للوارث والأجنبي، وينفذ في جميع مال المقِر لعدم تعلق حق الورثة بماله في الصحة.
74ـ يصح الإقرار في حال مرض الموت لأجنبي؛ لأنه غير متهم به في حقه.
75 ـ إذا كان الإقرار في حال مرض الموت لوارث لم يصح إلاّ ببينة أو بموافقة بقية الورثة؛ لأنه متهم في هذا الإقرار، ولتعلق حق الورثة بماله في مرضه.
76 ـ الإقرار بالنسب: يشترط لصحة إقرار الإنسان على نفسه، أي باستلحاق النسب من نفسه أن يكون المقَرُّ به مجهولَ النسب، ومحتمل الثبوت مِن نسب المقر، فلا يكذبه ظاهر الحال، وأن يصدّق المقر له في إقراره إن كان أهلاً للتصديق بأن يكون بالغاً، فإن كان المقر له صغيراً لم يعتبر تصديقه، وألاّ يكون فيه حمل النسب على الغير؛ لأن إقرار الإنسان حجة قاصرة على نفسه لا على غيره.
77ـ يصح الإقرار بحمل النسب على الغير بإثباته بالبينة أو تصديق باقي الورثة على ذلك.
78 ـ لا يتوقف الإقرار على قبول المقَر له .
79 ـ المرء ملزَمٌ بإقراره إلاّ إذا كُذّب بحكم.
80 ـ لا يتجزأ الإقرار على صاحبه.
81 ـ حجية الإقرار غير القضائي يعود تقديرها للقاضي، ويجوز إثباته بكافة طرق الإثبات.
82 ـ للمحكمة أن تستجوب الخصوم لاستجلاء الحقيقة سواء مِن تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم.
83 ـ إذا تخلّف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر شرعي جاز للمحكمة اعتبار ذلك قرينةً على ثبوت الحق عليه في الواقعة المراد استجوابه عليها.

القضاء بالقرائن:
84 ـ القرينة : هي كلُّ أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه.
85 ـ القضاء بالقرائن أصلٌ مِن أصول الشرع سواء في حال وجود البينة أو الإقرار أم في حال فقدِ أيِّ دليلٍ مِن دلائل الإثبات، فقد تمنع القرينةُ سماعَ الدعوى كادعاء فقيرٍ معسر إقراضَ غني موسر، وقد تُردّ البينة أو الإقرار في حال وجود التهمة، مثل قرابة الشاهد للمشهود له، أو كون الإقرار في مرض الموت، وقد تُستخدم القرينة دليلاً مرجحاً أثناء البينات، مثل وضع اليد (الحيازة)، وقد تعتبر القرينة دليلاً وحيداً إذا لم يوجد دليلٌ سواها، مثل رد دعوى الزوجة القاطنة مع زوجها بعدم الإنفاق عليها.
86 ـ القرائن : منها قوية ومنها ضعيفة، ومنها فقهية ومنها قضائية .
87 ـ من القرائن الفقهية :اعتبار العمامة وملابس الرجل له عند اختلاف الزوجين على المتاع، والحلي للمرأة بشهادة الظاهر.
88 ـ ومن القرائن القضائية : الحكم بالشيء لمن كان في يده؛ لأن وضع اليد قرينةٌ على الملك (الحيازة في المنقول سند الحائز).
89 ـ إذا كانت القرينة قطعية تبلغ درجة اليقين فإنها تعدُّ وحدها بيّنةً نهائية كافية للقضاء كالأحكام القضائية المبرمة بين ذات الخصوم وتعلق النزاع بذات الحق محلاً وسبباً.
90 ـ القرينة غير القطعية تُعدّ دليلاً مرجحاً بجانب أحد الخصوم متى اقتنع بها القاضي ولم يوجد دليل سواها ولم يثبت خلافها بطريق أقوى كوضع اليد والنكول .
91 ـ لا يُحكم بالقرائن غير القطعية إلاّ في نطاق المعاملات المالية والأحوال الشخصية عند عدم وجود بينة في إثبات الحقوق الناشئة عنها.
الأدلة الكتابية:
92 ـ الأدلة الكتابية: هي السند الرسمي والسند العادي والأوراق غير الموقعة ورسالة التلكس والفاكس والبريد الإلكتروني .
93 ـ السند الرسمي: هو الذي يثبت فيه شخص مختص مكلف قانوناً بتنظيمه، أو مكلف بخدمة عامة طبقاً للأوضاع القانونية في حدود سلطته واختصاصه ما تم على يديه.
يكون السند الرسمي حجة على الناس كافة بما تم على يد الشخص من أفعال أو وقائع مادية.
السند الذي ينظمه ذوو الشأن ويُصادَق عليه مِن قِبل الشخص المختص أو المكلف حجةٌ بمواجهة الناس كافة فيما يتعلق بالتوقيع والتاريخ، أمّا ما ورد فيه من بيانات فيعد صحيحاً حتى يقوم الدليل على ما يخالفه.
94 ـ إذا كان أصل السند الرسمي موجوداً فإن صورته المصدقة مِن الجهة الرسمية تتمتع بحجية الأصل.
95 ـ إذا لم يوجد أصل السند الرسمي كانت الصورة حجة على الوجه الآتي:
يكون لصورة السند الرسمي حجية الأصل إذا صدرت عن الشخص المختص أو المكلف وكان مظهرها الخارجي لا يتطرق إليه الشك في مطابقة الأصل .
يكون للصورة المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صادق عليها الشخص المختص أو المكلف على أنها مطابقة للأصل الذي أُخذت منه.
96 ـ السند العادي هو كتابة مثبتة لتصرف أو واقعة تنتهي بتوقيع مَن صدرت عنه.
97 ـ مَن احتُج عليه بسند عادي ولا يريد الاعتراف به وجب عليه أن ينكر ما هو منسوب إليه مِن خط أو توقيع، وإلاّ فهو حجة عليه بما ورد فيه.
– أما الوراث أو أي خلف آخر فيُكتفى منه أن يقرر بأنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع هو لمن تلقى الحق عنه.
98 ـ مَن احتُج عليه بسند عادي وبُحث فيه لا يُقبل منه إنكار الخط أو التوقيع.
99 ـ لا يكون السند العادي حجة على الغير إلاّ إذا كان له تاريخ ثابت، ويكون له تاريخ ثابت من يوم أن يصادق على حفظه كاتب بالعدل أو مِن يوم وفاة أحد ممن لهم على السند أثر ثابت أو معترف به من خط أو توقيع.
100 ـ يكون للرسالة الموقعة قوة السند العادية مِن حيث الإثبات ما لم يثبت موقّعُها أنه لم يرسلها ولم يكلف أحداً بإرسالها.
101تكون للبرقيات هذه القوة إذا كان أصلها المودَع في دائرة البريد موقعاً عليها مِن مرسلها، وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك.
102 ـ تكون لرسائل الفاكس أو التلكس والبريد الإلكتروني قوة السندات العادية في الإثبات.
103 ـ تكون لمخرجات الحاسوب الموقعة قوة السندات العادية مِن حيث الإثبات ما لم يُثبت مَن نُسبت إليه أنه لم يستخرجها أو لم يكلف أحداً باستخراجها أو أنها غير صادرة عنه.
104 ـ دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار.
105 ـ دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة على صاحبها في المعاملات التجارية المختصة بتجارته والخلاف بينه وبين تاجر آخر.
106 ـ يجوز للقاضي في الدعوى القائمة بين التجار أن يقبل البينة التي تُستخلص مِن الدفاتر التجارية على ما يثبت له في الدعوى .
107 ـ لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة على الغير، ولكنها تكون حجة على صاحبها إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً له على آخر أو أنه مدين لشخص آخر.
108 ـ يجوز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم السند أو الورقة المنتجة في الدعوى التي تكون تحت يده إذا كانت مشتركة بينه وبين خصمه.
109 ـ إذا امتنع الخصم عن تقديمها اعتبرت الصورة التي قدمها خصمه مطابقة للأصل.
110 ـ إذا أنكر من يُنسب إليه السند أو الورقة خطه أو توقيعه أو أنكر ذلك مَن يخلفه وكان السند أو الورقة منتجاً في النزاع تأمر المحكمة بإجراء التطبيق تحت إشرافها بواسطة خبير أو ثلاثة خبراء.
111ـ على الخصم الذي ينازع في صحة الورقة أن يحضر بنفسه للاستكتاب في الموعد الذي تحدده المحكمة فإن امتنع عن الحضور بغير عذر جاز للمحكمة الحكم بصحة الورقة أو السند.
112 ـ يجري تطبيق الخط أو التوقيع الذي حصل إنكاره على الخط أو التوقيع الثابت أنه لمن نُسب إليه السند أو الورقة، ثم يقدم الخبير تقريره للمحكمة بعد إجراء خبرته مبيناً فيما إذا التوقيع أو الخط يعود للخصم الذي أنكره أم لا.
113 ـ إذا تبين مِن خلال الخبرة الفنية أنّ الخط أو التوقيع لا يعود للخصم الذي أنكره فمِن حقه الادعاء بالتزوير بمواجهة الخصم الذي تمسك بالورقة أو السند.

المعاينة والخبرة:
114 ـ يجوز للمحكمة أن تقرر مِن تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم معاينةَ المتنازع فيه وتعيين خبير أو ثلاثة لمساعدتها على المعاينة يتولون القيام بمهمتهم، ويُحرر محضرٌ بالأعمال المتعلقة بالمعاينة ويودع إضبارة الدعوى.
115 ـ إذا كان الفصل بالدعوى موقوفاً على تحقيق أمور تستلزم معرفةً فنيةً كان للمحكمة مِن تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تقرر إجراءَ تحقيق فني بواسطة خبير واحد أو ثلاثة خبراء.
115 ـ يقدم الخبير أو الخبراء تقريرهم نتيجة أعمالهم ورأيهم والأوجه التي يستندون إليها في تبرير هذا الرأي، ويجب أن يكون هذا التقرير دقيقاً وموقعاً عليه منهم.
117 ـ للمحكمة مِن تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تأمر بدعوة الخبير لحضور الجلسة إذا رأت في تقريره نقصاً أو إذا رأت أن تستوضحه في مسائل معينة ولازمة للفصل في الدعوى، ولها إن رأت عدم كفاية الإيضاحات أن تأمر مِن تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم بالقيام بتحقيق فني جديد أو بعمل تكميلي تعهدُ به إلى الخبير نفسه أو إلى خبير جديد.
118 ـ رأي الخبير لا يقيد المحكمةَ، وإذا حكمت خلافاً لرأي الخبير وجب عليها بيان الأسباب التي أوجبت إهمال هذا الرأي كله أو بعضه.
119 ـ تقدر أتعاب الخبير ونفقاته بقرار مِن المحكمة، ولا يقوم الخبير بخبرته إلاّ بعد أن يؤدي يميناً بأن يقوم بخبرته بأمانة وصدق.
120 ـ يجوز رد الخبراء للأسباب التي تبرّر رد القضاة .
كانت هذه لمحة سريعة وموجزة عن طرق الإثبات في الدعاوى المدنية والأحوال الشخصية لدى القضاء الذي يحكّم الشريعة الإسلامية علماً أن الطرق المستحدثة للإثبات -وهي الأدلة الكتابية والمعاينة والخبرة- لها أصل في الشريعة الإسلامية، وقد أجاز جمعٌ مِن أهل العلم الإثبات بالدليل الكتابي (منهم المالكية وأحمد في رواية. انظر : تبصرة الحكام ١ ص ٣٥٦ ، والطرق الحكمية ص ٢٠٧) مستندين إلى قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } [البقرة: 282]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يشاورون أهل الرأي والخبرة في النوازل والمسائل التي تعرض عليهم.
وهذا البحث ليس مشروعاً لقانون حول البينات، إنما هو تطواف سريع لطرق الإثبات في الدعاوى المدنية والأحوال الشخصية، وصياغةُ مشروع لقانون البينات يحتاج إلى لجان فنية شرعية وقانونية وجهود مخلصة بوجود سلطة قضائية وتشريعية على مستوى سورية، فإن أصبتُ فمن الله، وإن أخطأت فمِن نفسي والشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.